لغز الضربات القاضية: كيف يعمل الدماغ الميكانيكي؟

شارك :
عندما قابلتُ ويليام «جيمي» تايلر كان من أول الأشياء التي فَعَلَها أنْ عرض عليَّ مقطعَ فيديو ﻟواحدة من أشد
 الضربات القاضية عنفًا في تاريخ رياضة الملاكمة، والتي شَهِدَتْها مباراةٌ أُجْرِيَتْ عام ١٩٩٠، سدَّدَ خلاله
ا الملاكمُ الأمريكي المحترف، جوليان جاكسون، بقبضته اليمنى ضربةً خاطفةً أَلْقَتْ بخصمه الإنجليزي، هيرول
 جراهام، مغشيًّا عليه، بل إن جراهام فَقَدَ وَعْيَه تمامًا قبل حتى أن يرتطم بالأرض.
بعد ١٥ ثانية من التحفيز الدماغي، شعرتُ كأني ثَمِلٌ بعض الشيء كأنما شربتُ كأسًا من المارتيني.
بعد ١٥ ثانية من التحفيز الدماغي، شعرتُ كأني ثَمِلٌ بعض الشيء كأنما شربتُ كأسًا من المارتيني.
تايلر من مشجِّعِي الملاكمة، وكان يتمرَّن فيما مضى في نادي هارفرد للملاكمة، لكنه لم يعرض عليَّ ذلك
 المقطع لهذا السبب، بل لأنه يستخدمه كمتخصص في علم الأعصاب في معهد فيرجينيا التِّقَنِيِّ لتسليط الضوء
 على إحدى المشكلات، ألا وهي الغموض النسبي لتلك الضربات القاضية في ضوء معرفتنا المُسلَّم بها عن
 الدماغ.
 نحن ننظر إلى الدماغ باعتباره عضوًا كهربائيًّا وكيميائيًّا حيويًّا؛ لذا كيف يمكن لفعل ميكانيكي  — كلكمة في
 الوجه — التسبُّبَ في فقدان الوعي؟ يقول تايلر: «نحن ندرك يقينًا أنه لم تنتقل أية شحنة كهربائية من قفاز
 الملاكم الجلدي لوجه ذلك الرجل، بل هي موجة الدفعة الميكانيكية، ومع ذلك فَقَدَ الرجلُ وَعْيَه. وبِغَضِّ النظر
 عن شدتها، فإنها تُوضِّح مدى حساسية الدماغ من الناحية الميكانيكية.»
وبينما لا يشكك أحدٌ في استخدام خلايا الدماغ للإشارات الكهربائية والبيوكيميائية للاتصال فيما بينها، يرى
 تايلر وعلماء آخرون أن هذه الحقيقة ليست سوى جزء من القصة. فيبدو أن الخلايا العصبية ترتبط كذلك
 ببعضها البعض عبر شبكة ميكانيكية، مثل تروس ساعة مضبوطة بدقة. وقد تكون القوى التي تنتقل فيما بينه
ا ما هي إلا طريقة لا نعرفها يستخدمها الدماغ لتخزين الذكريات والتأقلم السريع مع الظروف الجديدة، بحيث
 يضمن أن الخلايا ستظل تعمل دومًا دون مشكلات.
لن يساعدنا هذا فحسب على الإجابة عن أسئلة قديمة حول ما يجعل أفكارنا تدور في عقولنا، بل سيتيح لنا
كذلك مزايا عملية مباشرة. فعلى سبيل المثال، قد يساعدنا فهم الاختلال الذي يصيب تلك العمليات الميكانيكية
 على معالجة بعض حالات الإصابات الدماغية، بل ربما يصبح حتى من الممكن التلاعب بآليات الدماغ
 باستخدام الموجات الصوتية؛ مما يَعِدُ بالتوصل لعلاجات لا تتطلب تدخلًا جراحيًّا لاضطرابات مثل الصرع.
ترجع أصول مفهوم الدماغ الميكانيكي إلى الأفكار الخاطئة لدى الطبيب الإغريقي جالينوس، الذي عاش في
 القرن الثاني الميلادي، والذي افترض أن بطينات الدماغ تضخ سوائل عبر الأعصاب من أجل التحكم في وظائف
 الجسم، بل وحتى عهد قريب في القرن السابع عشر، اقترح رينيه ديكارت نظرية مماثلة لتفسير طريقة عمل
 الدماغ. ولم يثبت أن الأعصاب تحمل إشارات كهربائية إلا مع حلول القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر،
 وبلغ البحث ذروته في حقبة الخمسينيات من القرن العشرين عندما أثبت ألان هودجكين وأندرو هكسلي كيف
 تنتقل تلك الإشارات الكهربائية — المعروفة باسم الدفعة العصبية — عبر الألياف العصبية.
لكن بينما كان هودجكين وهكسلي يعملان على الاكتشاف الذي سيمنحهما جائزة نوبل، بدأت تبرز بعض الإشارات
 التي توحي باحتمال وجود بعض العمليات الميكانيكية، رغم كل شيء. وكانت الإشارة الأولى ما لُوحِظ لدى
 أعصاب الحبار؛ إذ بدا أنها تنكمش وتتضخم عند تحفيزها بواسطة تيار كهربائي ضعيف. لم يلتفت أحدٌ في
 الأغلب لهذا الاكتشاف طوال عقود حتى عام ١٩٨٠، عندما لاحظ الباحث إيتيجي تاساكي مع زملائه، في المعهد
 الوطني للصحة العقلية بمدينة بيثيسدا في ولاية ميريلاند، ظاهرةً مشابهة في أعصاب مستخلصة من مخالب
 السلطعون الأزرق؛ فأثناء انتقال الدفعة العصبية عبر العصب انتقلَتْ معه كذلك موجة ميكانيكية (مجلة ساينس،
 المجلد ٢١٠، صفحة ٣٣٨).
ساعد هذا الاكتشافُ على تفسير تبادُل الطاقة الذي يصاحب تحفيز الخلية العصبية. صمَّمَ هودجكين وهكسلي
 الدفعةَ العصبية على شكل دائرة كهربائية. تَفْقِد هذه الدائرةُ الحرارةَ، لكن تلك السمة لَمْ تُلاحَظ أثناء التجارب؛
 إذ لم يحدث فقدان كلي للحرارة عند حدوث دفعة عصبية. رغم ذلك، إذا كان من الممكن اعتبار الدفعة العصبية
 موجة ميكانيكية حيث تنبعث الحرارة وتُمتَص على حدٍّ سواء ( دون أي فقد كلي لها)؛ فإن حساب الطاقة
سيصبح متعادلًا بدقة.
ربما كان الجانب الأكثر أهمية هو إثبات التجربة؛ لأن جهازنا العصبي يعج بالحركة — وإن كانت تُرْصَد على
 مقياس النانومتر — مما يتيح فرصة فهم الدماغ من الناحية الميكانيكية.
بالإضافة إلى الموجات الميكانيكية التي تتحرك عبر الأعصاب، درس الباحثون كذلك القُوى التي تمر بين
 الخلايا العصبية في التشابكات العصبية؛ حيث تنتقل الإشارات من خلية عصبية إلى أخرى عبر إطلاق أيونات
 مشحونة وناقلات عصبية. تَعْبُر تلك الجزيئاتُ الفجوةَ بين الخليتين العصبيتين للوصول إلى النتوء الصغير
 الذي يشبه فطر عش غراب في «التغصن العصبي» التابع للخلية العصبية التالية (انظر الشكل)، ثم ينقل
هذا التغصن الرسالة تباعًا، مبتدئًا تسلسلًا جديدًا من النشاط.
طنين الأفكار: كان يُعتقَد في وقت من الأوقات أن الخلايا الدماغية تتصل فيما بينها عبر الإشارات الكهربائية فحسب، لكننا الآن ندرك أن قوى ميكانيكية صغيرة يمكن أن تلعب كذلك دورًا في هذا الشأن.
طنين الأفكار: كان يُعتقَد في وقت من الأوقات أن الخلايا الدماغية تتصل فيما بينها عبر الإشارات الكهربائية فحسب، لكننا الآن ندرك أن قوى ميكانيكية صغيرة يمكن أن تلعب كذلك دورًا في هذا الشأن.
تُعَدُّ مرونة نتوءات التغصن العصبي نقطةً مهمةً. وهي حقيقة أثارت فضول فرانسيس كريك، أحد مكتشفي
 تركيب الحمض النووي؛ ففي أوائل حقبة الثمانينيات من القرن العشرين، افترض كريك أن تلك النتوءات
 قد ترتجف أثناء تبادل الخلايا العصبية للمعلومات، وأن التغيُّر في شكلها قد يُغيِّر نوعًا ما من قوة الإشارة
المنتقلة بين خليتين عصبيتين. وقد خمَّنَ أن تلك الحركات قد تلعب حتى دورًا في تخزين الذكريات. في ذلك
 الوقت، لم يتوفَّر لدى أحد التكنولوجيا التي تُمكِّن من مراقبة التشابك العصبي أثناء عمله، لكن مع حلول
عام ١٩٩٨ أظهرت الأفلام التي صورتها أجهزة الميكروسكوب القوية أن نتوءات التغصن العصبي تتحرك
 بالفعل وتُغيِّر شكلها في غضون ثوانٍ، كما تنبأ كريك بالضبط.
ظلَّتِ التروس الدافعة لتلك الحركات تبعث على الحيرة، لكن عقدًا من الأبحاث تمخض عنه العديد من
 الاحتمالات التي استعرضها تايلر مؤخرًا في بحث علمي نُشِر بمجلة نيتشر ريفيوز نيوروساينس (المجلد ١٣،
 صفحة ٨٦٧). فعلى سبيل المثال، نحن نعلم الآن أن التغصنات العصبية تمتلئ ببروتين يُدْعَى أكتين، والذي
 يستطيع التجمع على شكل بوليمرات ضخمة، أو التفكك متحولًا إلى وحدات أصغر تبعًا للظروف. تولِّد تلك
 العملية قوًى قد تَصِل شِدَّتُها لدرجة لا تُمكِّنها فحسب من ثنْي نتوء التغصن، بل قد تتسبب كذلك في جعله
 ينكمش أو يتمدد.
يُعَدُّ اتصال نتوء التغصن العصبي على أحد جانبي التشابك العصبي بنهاية المحور العصبي على الجانب الآخر
 عبر سلسلة من البروتينات اللاصقة عاملًا مهمًّا؛ فذلك يعني أنه عند تحرُّك نتوء تغصن تتحرك كذلك نهاية
المحور العصبي، وهو ما قد يترتب عليه نتائج هامة. وقد أشار طاهر سيف، الباحث في جامعة إلينوي
 بإربانا-تشامبين، مع مجموعة من زملائه إلى أنه كلما زادت القوة المفروضة على نهاية محور عصبي زاد
عدد جزيئات الناقلات العصبية الجاهزة للإطلاق عبر التشابك العصبي، وهكذا تستطيع هذه التحركات تغيير
 قوة الإشارة؛ وبالتالي تغيير ليونة التشابك العصبي. وهي تغيرات محورية قد تكون وسيلة لتخزين المعلومات
 أثناء التعلم والتذكر.
لا يقتصر الأمر على ذلك، بل قد يُوجَد أيضًا اتصال بين التشابكات العصبية المتجاورة؛ إذ يشير تايلر إلى
 أن نتوءات التغصنات المجاورة توجد في نفس قاعدة الأكتين والعصويات الصغيرة التي تُدْعَى الأُنَيبيبات،
والتي تستطيع تخزين الطاقة المرنة مثل الزنبرك. وعند تحفيز أحد النتوءات، يبدو أنه يطلق مواد كيميائية
تتسبَّب في إحداث تغييرات في هذا الهيكل، بحيث يدفع النتوءات المجاورة أو يجذبها؛ مما يؤدي إلى تغيير
توازن القوى في تشابكاتها العصبية.
لم يتمكن أحد بَعْدُ من قياس هذا الانتقال في الحركة أثناء حدوثه، لكن تايلر يزعم بوجود دليل غير مباشر
على أن الأكتين والأُنَيبيبات تتحرك بالفعل كرد فعل لنشاط نتوء التغصن، وأن نطاق تلك التحركات وسرعتها
تكفي وتزيد لسحب أو دفع النتوءات المجاورة. في هذه الحالة ستضيف هذه الآلية مسارًا آخر لانتقال الإشارات
 ربما يساعد التشابكات العصبية على تنسيق نشاطها بحيث نستطيع نحن التكيف مع الموقف القائم.
قد تكون تلك الآليات عاملًا حاسمًا في تنظيم الشبكات العصبية المسئولة عن نشاط دماغنا عبر تحكمها في تدفق
 المعلومات بهذه الطريقة، إلا أن التأكد من ذلك سيكون قطعًا مهمة صعبة؛ إذ تمتد هذه القوى عادةً لمساحة لا
تزيد على ١٠ مايكرومترات؛ لذا يلجأ علماء الأعصاب لتقنيات متطورة مثل الجزيئات المغناطيسية أو أشعة
الليزر التي تُنْتِج قوى محدودة للتلاعب بتلك التكوينات.
إلا أن اهتمامات تايلر — رغم ذلك — تتمحور حول تقنية قد تسمح له بتعديل الآليات الميكانيكية في الدماغ الحي.
 بدأ الأمر بملاحظة عرضية لتايلر بينما كان طالب دراسات عليا. فلِكَيْ يحافظ على نشاطه أثناء ساعات العمل
الطويلة كان يُشَغِّل موسيقى صاخبة، واضعًا مكبِّرًا للصوت بجوار المعدات التي تُسجِّل النشاط الكهربائي في
الخلايا العصبية، وفُوجِئ عندما لاحظ وجود زيادة في النشاط العصبي كلما ارتفع صوت مكبر الصوت.
وهو ما يصفه قائلًا: «لاحظتُ حالات نشاط التشابكات العصبية، والتي تبدو مرتبطة بالإيقاع العالي، وكأنها
تتحدث إليَّ قائلةً: «انظر! في وسع الذبذبات الميكانيكية في نسيج الدماغ إحداث تغيرات في النشاط العصبي.»
لكن هذه النتيجة لم تبدُ جديرة بالنشر؛ لذا تركها تايلر دون تطوير.
لكنه تناول هذا المبحث مجددًا ما إن أصبح على رأس معمله في جامعة ولاية أريزونا بمدينة تيمبي. وفي عام
 ٢٠٠٨ حصل فريقه على عينات من حصين فأر، ثم عرَّضوها لموجات فوق صوتية منخفضة التردد والشدة،
 وهي موجات ضغط يُفترَض كونها قادرة على هزِّ تكوينات الدماغ الميكانيكية. وكما كان متوقعًا حفَّزَتْ تلك
الموجات الخلايا العصبية على إطلاق إشارات، وزادت من كمية الناقلات العصبية التي تُفرَز عند التشابكات
العصبية.

العلاج بالموجات الصوتية

تحوَّل الفريق بعد ذلك إلى الفئران الحية، وعَبْرَ تحفيز قشرة المخ الحركية لديها بنبضات من الموجات فوق
الصوتية تسبَّبوا في جعل ذيولها وأَرْجُلها الأمامية وشواربها ترتعش، بل وتمكَّنوا من زرع أقطاب كهربائية
في أدمغتها للتأكد من أن تلك الزيادة التي حدثت في النشاط العصبي مصاحبة للتحفيز الناتج عن الموجات فوق
 الصوتية (دورية نيورون، المجلد ٦٦، صفحة ٦٨١).
تؤكد النتائجُ على ما يبدو الشكوكَ المثارة حول استطاعة قوى ميكانيكية خارجية التدخُّلَ في العمليات التي تَجْري
داخل الدماغ؛ مما قد يُقَدِّم حلًّا للغز الضربات القاضية في الملاكمة. فإذا كانت تشابكاتنا وخلايانا العصبية
مرتبطة بقوى ميكانيكية دقيقة، فقد تتسبب إذن ضربة موجهة للرأس في تعطيل إشاراتها، وتُجْبِرها على فتح
القنوات الأيونية وتنشيط المستقبلات. يُعلِّق تايلر على هذا قائلًا: «تشير إحدى النظريات إلى أنها تفتح على الفور
كل قنوات البوتاسيوم أو الصوديوم، وهو ما يتسبب في فقدان الوعي.»
بدأت فكرة الدماغ الميكانيكية في جذب انتباه باحثين آخرين؛ إذ كرر مؤخرًا الباحث راندي كينج، الذي يعمل حاليًّا
لدى إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية، تجربة تايلر لتحفيز الفئران بالموجات فوق الصوتية أثناء فترة عمله
بجامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا. ويعتقد أن انخفاض شدة الموجات فوق الصوتية يستبعد احتمالية تأثيرها على
النشاط الدماغي عبر آليات أخرى مثل التسخين. وإنما لا بد وأن هناك تفاعلًا ميكانيكيًّا حقيقيًّا يحدث، يقول
كينج: «يشير ذلك إلى إمكانية تحفيز الدماغ دون تدخل جراحي، وهو ما سيصبح في حد ذاته اكتشافًا عظيمًا
في مجال علم الأعصاب بأسره.»
أحد أسباب هذا الحماس هي إمكانية استخدام الموجات فوق الصوتية لعلاج اضطرابات الدماغ. وعلى نقيض
التحفيز العميق للدماغ الذي تُستخدَم فيه أقطاب كهربائية مزروعة لمعالجة مرض باركينسون وحالات الاكتئاب،
لن تتطلب هذه الوسيلة إجراء جراحة، بل وفي وسعها تحفيز مناطق أعمق داخل الدماغ مقارنةً بالوسائل الأخرى
التي لا تتطلب تدخلًا جراحيًّا مثل التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، أو التحفيز الكهربائي المباشر عبر الجمجمة.
وهو ما يرجع إلى استخدام تلك الوسائل لأقطاب كهربائية تثبت على فروة الرأس لتمرير المجالات الكهربائية أو
المغناطيسية عبر الجمجمة، وكلا المجالين يتمتعان بمدى سطحي إلى حد ما.
حتى الآن بحث تايلر ما إذا كان التحفيز بالموجات فوق الصوتية يستطيع إيقاف النوبات الصرعية، التي تبدأ العديد
من أجزاء الدماغ أثناءها في إطلاق الإشارات العصبية بشكل متزامن. وفي إحدى التجارب الأولية التي أجراها
فريق تايلر في تلك المجالات البحثية أحدثوا نوبات صرعية لدى الفئران قبل تعريض جماجمها لنبضات من
الأشعة فوق الصوتية، ووجدوا أن الموجات فوق الصوتية أوقفت إطلاق الإشارات المتزامن وأنهت النوبة.
لدى تايلر آمال عريضة حيال إمكانية استخدام هذه التقنية لعلاج الأشخاص الذي يعانون من إصابات في الدماغ
وغالبًا ما تصيبهم نوبات، فيقول: «ماذا لو تمكَّنا من تطوير جهاز يشبه جهاز مزيل الرجفان الخارجي الأوتوماتيكي،
لكنه مُصمَّم خصيصًا للدماغ بهدف معالجة الإصابات الدماغية؟ هذا هو طموحي.»
ألهمت أبحاثُ تايلر ستيوارت هامروف — طبيبَ التخدير والباحث في مجال الوعي بمركز العلوم الصحية
 التابع لجامعة أريزونا بمدينة توسون — باختبار هذه التقنية على نفسه. في البداية اقترح هامروف على أحد
زملائه تجريب العلاج لمداواة الألم المزمن، وهو ما وافق عليه الزميل مع تحفظ واحد يرويه هامروف قائلًا:
«نظر إليَّ ثم قال: «إن لرأسك شكلًا جذابًا؛ لماذا لا نجربها عليك؟»»

تحسين المزاج

نفَّذَ هامروف وزميلُه بالفعل التجربةَ، وعرَّضوا صدغ هامروف للأشعة فوق الصوتية لمدة ١٥ ثانية، يقول
هامروف إنه لم يحدث شيء على الفور، «لكن بعد دقيقة تقريبًا، بدأتُ أشعر كأنِّي ثمل بعض الشيء كأنما
شربتُ كأسًا من المارتيني، ولازمني شعور رائع حقًّا طوال ساعتين تقريبًا.»
مهدتْ هذه التجربةُ الطريقَ لدراسة تجريبية تلقَّى أثناءها ٣١ فردًا يعانون من آلام مزمنةٍ جرعةً من الأشعة
فوق الصوتية على الجزء الخلفي من القشرة الجبهية لمدة ١٥ ثانية. لم يعلم الطبيب الذي يعطي العلاج ولا
المتطوع الذي يخضع للتجربة ما إذا كانوا يستخدمون الموجات فوق الصوتية أم علاجًا وهميًّا. أفاد الذينتلقوا
الموجات فوق الصوتية بوجود تحسُّن بسيط لآلامهم، كذلك تحسن مزاجهم لمدة ٤٠ دقيقة بعد تلقِّي العلاج
(دورية برين ستميوليشن، المجلد ٦، صفحة ٤٠٩).
رغم ذلك، يتفق تايلر وكينج على ضرورة تسوية عدد من قضايا السلامة قبل إتاحة استخدام الموجات فوق
الصوتية كعلاج، ويعتقد كينج أن علينا مراعاة الحذر، لا سيما في هذا المجال، وهو ما يبرره قائلًا: «إذا أحدثت
تلفًا بالمخ فقد يصبح دائمًا؛ فالمخ ليس مثل العضلات قد تتعافى إذا أتلفتَها. إذا حدث خطأ ما فستكون لتلك التقنية
عواقب وخيمة، وسيؤثر ذلك سلبًا على المجال بأسره.»
لا يكاد تايلر يُطِيق صبرًا على حسم تلك القضايا سريعًا؛ نظرًا لاعتقاده بأن فوائد التدخل في عمل الدماغ الميكانيكي
 قد تمتد لما يتجاوز الاستخدامات العلاجية. على سبيل المثال، بما أن من الممكن تركيز الموجات فوق الصوتية
بدقة بالغة فمن المفترض أن تصبح دراسة مناطق بالغة الصغر في الدماغ على نحو منفرد أمرًا ممكنًا، وبالتالي
قد يُصْبِح في إمكاننا وضع حالة خاضعة للبحث في جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي وتحفيز إحدى
مناطق دماغه من أجل ملاحظة كيف تتصل مع أجزاء الدماغ الأخرى. وقد يساعدنا ذلك على رسم خرائط ذات
دقة غير مسبوقة لنظم الاتصال بالدماغ ولوظائف المناطق المختلفة به.
حتى الآن — على الرغم من ذلك — ما زال التقدم بطيئًا، ويشعر تايلر بالإحباط حيال الصعوبات الخاصة بإيجاد
التمويل اللازم للمشروعات الكبيرة، فيقول: «إذا أردت تغيير أمر ما، فيمكنك تحقيق ذلك في غضون ٢٠٠ عام
عبر خطوات صغيرة بطيئة للغاية، أو في وسعك تحقيقه في غضون من ١٠ إلى ١٥ سنة عبر قفزات عملاقة.»
يسعى تايلر خلف تلك القفزات العملاقة، فيضيف: «قد نكون على شفا امتلاك تقنية ستُعِيد تعريف أساليب تطبيقنا
لمفاهيم علم الأعصاب.»


شارك :

علوم وتكنولوجيا

ما رأيك بالموضوع !

0 تعليق:

تذكر قوله تعالى: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"